هذا هو ما يؤكده الفيلسوف الاسترالي البريطاني رومان كرزناريك في كتابه الأخير “تاريخ من أجل المستقبل: إلهام من الماضي لمستقبل الإنسانية”. تبدأ إيليان غليزر مراجعتها للكتاب في صحيفة “غارديان” مشيرةً إلى أننا بحاجة ماسة لتجارب التاريخ ودروسه أكثر من أي وقت مضى، موضحة أن مشاكل مثل عزل الأمهات في منازلهن ورعاية الأطفال تكرر نفسها رغم أن أجدادنا قد توصلوا لحلول لها في الماضي.
تشير غليزر إلى أن نصائح العيش في الحاضر تجعلنا نغفل عن المشكلة الأساسية، وهي أننا لا نعيش في الماضي بالقدر الكافي. ومع ازدياد هيمنة “الآن” في عصر الإنترنت، تتآكل ذاكرتنا الجماعية. وعلى الرغم من الرغبة في الهروب من الواقع، فإن الكتاب يأتي كدليلٍ للبحث في التاريخ عن حلول للنزاعات الحالية.
كرزناريك لا يركز فقط على الأحداث التاريخية، بل يتناول أيضًا أهمية التغيير السريع بدلاً من التدرج. يبرز أهمية الحركات الراديكالية التي تدفع نحو التغيير السريع، مستشهدًا بثورة العبيد في جامايكا عام 1831 كنقطة تحول حاسمة في تاريخ إلغاء العبودية. كما ينبه إلى أن أزمة المناخ الحالية تحتاج إلى حركات خلخلة مشابهة لتلك التي حدثت في الماضي.
تحتوي رسائل الكتاب على ضرورة الاستفادة من التجارب التاريخية لتجاوز الأزمات المعاصرة، سواء كانت اقتصادية أو بيئية. مثلاً، يستعرض كرزناريك نموذج “محكمة المياه” في فالنسيا، التي تعالج النزاعات المتعلقة بالمياه بأسلوب مبتكر يُظهر كيف يمكن لمبادرات المجتمع المدني أن تلعب دورًا في إدارة الموارد.
في ختام الكتاب، يطرح كرزناريك فكرة “حزمة الخلخلة” التي تتطلب ثلاثة عناصر: أزمة حادة، حركات مخلخلة تضغط من أجل التغيير، وأفكار قوية تدعم التغيير. ويؤكد أن التاريخ يعلمنا أن التغيير لا يحدث إلا عند توافر هذه العناصر، مما يعكس الحاجة الملحة للعمل المشترك والمبادرات الشعبية.